عقد اليوم الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بمقر الحكومة بمدينة العلمين الجديدة، جلسة حوارية مُطولة ضمت عدداً من رؤساء التحرير والإعلاميين، وشهدت حواراً مفتوحاً حول العديد من القضايا الوطنية والإقليمية التي تشغل الرأي العام، واستعراض البرامج والرؤى الخاصة بالحكومة تجاه معالجة المُشكلات، ومواصلة جهود النمو الاقتصادي والتنمية
وفي مُستهل الجلسة الحوارية، رحب رئيس الوزراء بالحضور، مُعتبراً أنهم يمثلون جزءاً مهماً جداً من بناء الوعي للمواطن المصري، ونقل كل الأخبار والمستجدات له، لافتاً إلى أنه يحرص يومياً على متابعة كل ما يُنشر في وسائل الإعلام والصحافة، كما يصلُ إليه رصد لكل ما يتم تناوله بالبرامج الحوارية من قضايا، وما يُكتب من مقالات رأي في الصحف، وأيضاً ما يُنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يستقي من تلك المنابع توجهات الرأي العام، والوقوف على ما إذا كان هناك إدراكٌ كامل لحقائق الموقف أم لا، حيثُ يجد أحياناً أن بعض التوجهات التي يتم تداولها تُظهر غياب بعض الحقائق، ولذا عندما يعقد المؤتمر الصحفي الأسبوعي، فإنه يتحدث عن هذه النقاط تحديداً لتوضيحها، وبالتالي حرص أيضاً على عقد هذا اللقاء، الذي يتيح ـ بخلاف المؤتمر الصحفي النمطي ـ فرصة للحوار مع الحضور بما لهم من تأثير قوي في تشكيل الوعي، وإعطاء الصورة للمواطن المصري بطريقة أشمل
وأشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أنه برغم ما تشهده إجازة الصيف من استراحة بعض البرامج الحوارية، ولكنه سيحرص على عقد هذه الجلسة الحوارية بشكل شهري، من أجل تحقيق الفكرة الأهم وهي الإستماع منهم إلى الرؤى المختلفة، ووجهات النظر، لنصبح جميعاً على أرضية مُشتركة من الحقائق الراهنة التي تواجه الدولة، إلى جانب التعرف أيضاً على تصورهم لمسارات حركة الدولة خلال الفترة المقبلة، والملفات التي تتطلب تركيزاً أكبر من جانب الحكومة، لكونهم ينقلون جزءاً كبيراً من نبض الشارع المصري
وأكد رئيس الوزراء أن الحكومة غير منفصلة عن الشارع، وتعرف أن الفترة الماضية كانت شديدة الصعوبة مصحوبة بأزمات غير مسبوقة، ولسان حال المواطن هو التساؤل حول توقيت الخروج من هذه الأزمة، والشعور بأن الأمور استقرت وهدأت، وأن الأسعار بدأت تنخفض والتضخم أصبح في اتجاه نزولي، كما يقول البعض أن الحكومة تُلقي عبء المشاكل التي تواجهها على الأزمات الخارجية، دون اعتراف بأنه كان هناك نوع من القصور والمشاكل الداخلية، موضحاً أن الحكومة ـ كبشر ـ ليست منزهة عن الخطأ والتقصير، ولكنها تحاول أن تجتهد حتى لو كان هناك نوعٌ من الأخطاء والقصور، فلا توجد حكومة تُنفذ خططها بنسبة 100%، ومن الطبيعي أن يحدُث قصور وخطأ مع حجم العمل وبالتالي لا نُعزي كل شيء لظروف الخارج، على الرغم من أن الخارج كان تأثيره على مصر غير عادي وغير مسبوق، مطالباً الاستعراض بصورة حيادية للمواقف والأحداث التى وقعت على مدار السنوات الأربع الماضية، وماهي تداعيات وانعكاسات هذه الأحداث على مصر، وماذا لو لم تقع هذه الأحداث والأزمات، وما هو وضع مصر فى هذا التوقيت هل كانت ستعانى من حدة الأزمات والمشكلات الحالية أم لا.
وعن رؤية الدولة المصرية للخروج من الأزمات والتحديات الحالية، أشار رئيس الوزراء إلى أن الدولة حرصت على اتخاذ ما يلزم من إجراءات وخطوات للخروج مما اسماه بـ”النفق المظلم” الذي كانت تعاني منه منذ نحو أربعة أو خمسة شهور مضت، قائلاً:”المواطن كان يعتقد أنه ليس هناك أى أمل فى فترة ما لحل مشكلة الدولار.. مع وصول سعر الصرف لأرقام كبيرة بلغت نحو 60 و70 جنيها مقابل الدولار الواحد، وحدوث ارتفاعات كبيرة في أسعار السلع، ووجود أسعار مختلفة للسلعة الواحدة… وكل هذه الأمور تم تجاوزها مع ما تم اتخاذه من إجراءات”، مؤكداً أن صفقة رأس الحكمة ليست وحدها التى ساهمت في حل هذه المشكلات، بل هناك مجموعة من الإجراءات المتكاملة التى تم اتخاذها والعمل عليها، ومن بين هذه الإجراءات ما تم ابرامه من مسارات تعاون مع عددٍ من الموسسات الدولية
وفي هذا السياق، أكد رئيس الوزراء أن وجود برامج وتعاون مع المؤسسات الدولية، إنما يعطي رسالة ثقة في اقتصاد الدولة المصرية، مشيراً إلى أن نجاح الحكومات في أي دولة يُقاس بقدرتها على جذب استثمارات أجنبية مباشرة، قائلاً:” لا يُقدم أي مستثمر خارجي على الاستثمار في أي دولة، إلا عندما يطمئن على أن مسار هذه الدولة يؤمن استثماراته، وإلا يُحجم عن الاستثمار فى هذه الدولة”، ويعتمد المستثمر فى هذا الشأن على ما يتم نشره من خلال المؤسسات الدولية، هذا إلى جانب الإجراءات المُطبقة بالفعل على أرض الواقع فى هذه الدولة تسهم في جذب الاستثمارات لها من خلال حل المشكلات وإزالة العوائق واتاحة التيسيرات والحوافز، وأن المستثمر الداخلي يكون سفيراً لمصر، ويكون جزءا من الرسالة الإيجابية للمستثمر الخارجي.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي إن المستثمرين الأجانب الذين يرغبون في ضخ استثماراتهم في مصر يطمئنون عندما يرون أوضاع المستثمرين مشجعة، وهذه نقاط توضح أسباب حرصنا على وجود تعاون وشراكة مع مؤسسات دولية مثلما هو سائد في مختلف دول العالم، فيوميا تحرص تلك المؤسسات على نشر تقارير لها عن اقتصادات الدول، وهذه التقارير تؤثر على تصنيف الدول، كما أن مؤسسات التصنيف الائتماني تقيم تصنيفاتها بناء على هذه التقارير، بالإضافة إلى الجهات الاستثمارية الكبرى ومختلف المؤسسات الدولية، أو المستثمرين الأفراد الذين يعتمدون على مثل هذه التقارير لاتخاذ قرار بشأن ضخ استثماراتهم في بلد معين أو الانصراف عن ذلك
وأضاف رئيس الوزراء أن هذا الأمر يواجه الدولة المصرية من الخارج قبل الداخل، لأن ذلك جزء كبير يشكل تركيبة القرارات التي تتخذها الحكومة، وكذا المواءمات التي نجريها، مشيرا في هذا الصدد إلى انشغال فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بالملف الخارجي، ودوما هناك تواصل من جانب سيادته مع جميع دول الجوار، ونطاق المنطقة، وكذا النطاق الأشمل مع القوى العظمى في العالم، لأننا نسير ” على حد السيف”، نراعي مصالحنا كدولة ونحتفظ بقوة مصر ومكانتها وريادتها في هذه المنطقة، وهذا وضع حقيقي نلمسه بالفعل؛ فمصر لها ثقل سياسي، ومهما شهدنا من أزمات وأوقات تعثر في بعض الأحيان ستظل الدولة المصرية قوة إقليمية لها وزنها وتأثيرها على مستوى الدول
وقال: نكون حريصين كل الحرص في قراراتنا في خضم الأحداث العصيبة، وتصارُع القوى الذي نشهده، على الالتزام بالتوازن وأن نتخذ قراراتنا بما يخدم الصالح العام وحماية أمن مصر القومي، وهو أمر مهم للغاية؛ لأن أي إجراء يتم اتخاذه يكون هدفه المصلحة العامة للدولة، ولكن لابد أيضا أن نقيس في الوقت نفسه رد فعل القوى العظمى، وتداعيات ذلك على الإقليم، ولذا يتعين علينا أن نعي أن أي قرار يتم اتخاذه وفقا لهذا المنطق، بخلاف ما يشاع في بعض الأحيان في وسائل الإعلام حول ضرورة اتخاذ قرار بأسلوب معين، أو أن يقال إنه لا يتعين الصمت عن تجاوزات بعض الدول في ملفات بعينها
وفي هذا السياق، ضرب الدكتور مصطفى مدبولي مثالاً بقضية المياه، موضحاً أن هذا الملف له حسابات بالغة الدقة، فكل خطوة يتم اتخاذها يتم حساب تداعياتها جيدا، ولذا فأي قرار يتم اتخاذه يكون في إطار سيناريوهات عديدة تراعي مسألة الحفاظ على مصالح الدولة المصرية، وأنه مهما حدث من خلافات لا بد من اتباع سياسة حُسن الجوار مع هذه الدول، فنحن لا يمكننا أن ننسلخ عن الدول التي تقع في محيطنا.
ولفت الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إلى أنه من المهم أيضاً النظر إلى قدرة الحكومة على كسب ثقة المواطن، لافتاً إلى أنه كانت هناك بعض المقالات التي كتبها كتاب مثل الأستاذ أكرم القصاص، والأستاذ عماد الدين حسين، في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، ومقالات أخرى في هذا الخصوص، مؤكداً أنه وفق تقديره الخاص فإنه لا توجد حكومة تريد اتخاذ قرارات تُنقص من شعبيتها في الشارع، وأي قرارات بتحريك أسعار تكون آخر القرارات التي تبتغي الحكومة اتخاذها، لافتاً إلى أن الحكومة أحياناً تُرجيء اتخاذ مثل هذه القرارات ليس خشية تأثر شعبيتها، وإنما لعدم الرغبة في تحميل المواطن أعباء اضافية، لكونها تُدرك جيداً الأعباء التي يتحملها، فإذا كان لدى الحكومة مساحة لتحمل بعض الأعباء لفترة ما فإنها تبادر بذلك، وقامت بهذا في فترات عديدة مُؤخراً في أوقات الأزمات، وذلك على أمل إنتهاء الازمات، وكانت ترجئ اتخاذ قرارات لبضعة شهور على أمل ان تتحسن الأمور، ولكن تزداد تعقيداً وتضطر للإرجاء لفترة جديدة